للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرابع: حيث يكون مع العادة حُجَج أخرى لو فُرِض أن بعضها كالعادة لا يفيد إلا الظن لم يضرَّ ذلك؛ لأن القطع حاصل بالمجموع.

الخامس: حيث يكفي الظن. والله الموفق.

الأمر الثالث: أن للأمزجة والعادات تأثيرًا في الاعتقادات. فقويُّ القلب يستحسن الإيلام، وضعيف القلب يستقبحه، ومن مارس مذهبًا من المذاهب بُرْهةً من الزمان ونشأ عليه فإنه يجزم بصحته وبطلان ما يخالفه ....

قال العضد (١): "والجواب: أنه لا يدل على كون الكل كذلك".

أقول: هذا حق، ولكن فيه اعتراف بأن ذلك واقع في كثير، وهذا كافٍ في القدح في جزم العقل في الجملة؛ لأنه إذا ثبت أن جزمه قد يكون خطأً لسبب لم يُؤمَن أن يكون خطأ في موضع آخر لذلك السبب أو لسبب آخر.

نعم، قد تتضح القضية جدًّا، فلا يُخْشى فيها ذلك، كقولنا: الثلاثة أقل من الستة. والقضايا التي يختصّ بها المتعمّقون ليست من هذا القبيل ولا قريبًا منه، ولا سيما قضاياهم التي [٢/ ٢١٧] يناقضون بها المأخذين السلفيين، وكفى بمناقضتهما لها حجةً على اختلالها. فأما قضايا السلفيَّين فما لم يكن منها من ذاك القبيل فهو قريب منه، وقد أُمِنَ اختلالها بإقرار الشرع لها. فأما ما لم يقتصر الشرع على إقرارها، بل جاء على وَفْقها، فتلك الغاية.

الأمر الرابع: مزاولة العلوم العقلية دلّت على أنه يتعارض دليلان قاطعان بحسب الظاهر بحيث نعجز عن القدح فيهما، وما هو إلا للجزم بمقدماتهما مع أن أحدهما خطأ قطعًا.


(١) "المواقف" (ص ١٩).