للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهَبْ أنه يسوغُ حملُ قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} على ما يخالف تلك الظواهر التي يفِرُّ منها المتكلمون، فهو احتمال مرجوح. وهَبْه مساويًا أو راجحًا، فهل يصح أن يُعتدَّ بها قرينةً تَصرِف عن ظواهر تلك النصوص التي لا تحصى، منها الظاهر البيِّن، ومنها الصريح الواضح، ومنها المؤكَّد المثبت، ومعها عقل المخاطبين الأولين من الصحابة وغيرهم وجمهور الناس؟ وهل هذا إلا قلبٌ للمعقول الواضح؟

هذا، والقائلون إن ذات الله تعالى مجرَّدة أكثرهم يُثبتون أو يجوِّزون وجودَ ذوات كثيرة مجردة من عقول ونفوس وأرواح غيرها! فليتدبر مَن له عقلٌ: أليسوا أولى بزعمِ أن لله عز وجل مثلًا بل أمثالًا ممن لا يقول بالتجرد المحض الذي يزعمونه؟ فإن الذوات المخلوقة غيرَ المجردة تتفاوت تفاوتًا عظيمًا جدًّا، فما الظنُّ بذات الخالق تبارك وتعالى؟ فأما المجردة على فرض وجودها، فكيف يُعقل التفاوت العظيم بينها حتى تكون هذه ذات رب العالمين، وهذه ذات روح بعوضة؟ وما قيل إن التجرد أمر عدمي لا يدفع ذلك، على أنه عندهم براءة لأمر وجودي احتيج إليه؛ لأنه ليس في اللغات لفظ يدل على ذاك المعنى، لأن اللغات تابعة للعقول الفطرية، والعقولُ الفطرية لا تَعقل وجودَ ذات مجردة ذاك التجرد، وإنما تعبِّر عن ذاك المعنى بقولها: «معدوم» (١).

قال السلفي: وأقتصر من النظر في تلك الآية على ما ذكرت راجيًا أن يكون فيه الكفاية لمن لم يستحوذ عليه الهوى. فأما من خُتِم على قلبه فلا مطمع فيه. والله الموفق.


(١) يأتي لهذا مزيد في مسألة الجهة. [المؤلف].