للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: قد علمت أن الحديث بالمعنى الواضح من إثبات خيار المجلس لكلٍّ من المتبايعين بعد تبايعهما غيرُ مخالف لكتاب الله تعالى. وأما هذا المعنى الذي ذكره الكوثري، فالحديث غير محتمل له كما يأتي. ولو احتمله وحُمِل عليه لبقي ما في القرآن في معنى المجمل، لأن قول أحدهما: "بعت" وقول الآخر فورًا: "اشتريت" لا يتضح به التراضي المشروط في القرآن، لاحتمال الهزل وسبق اللسان والاستعجال، كما مرَّ.

ثم حاول الأستاذ تقريب احتمال الحديث للمعنى الذي زعمه فقال:

"وعلى هذا التقدير يكون لفظ "المتبايعين" حقيقةً، إذ هذا اللفظ محمول على حالة العقد في تقديرنا، وحملُه على ما بعد صدور كلمتي المتعاقدين يجعله مجازًا كونيًّا. وفائدة الحديث أن خيار الرجوع ثابت لهما ما دام أحدهما أوجب، ولم يقبل الآخر في المجلس، لا كالخلع على مال والعتق على مال؛ لأنه ليس للزوج ولا المولى الرجوع فيهما قبل قبول المرأة والعبد".

أقول: المُلجئ إلى الفرار إلى هذا القول أن تأويل قدماء الحنفية "المتبايعان" بالمتساومين و"التفرق" بالإيجاب والقبول أُبطِلَ بوجوه:

منها: أنه إخراجٌ للَّفظ عن حقيقته بلا حجة.

ومنها: أن الحديث يبقى بلا فائدة، إذ لا يجهل أحد أن التساوم لا يلزم به شيء. وستعلم أن هذا الفارَّ كالمستجير من الرمضاء بالنار (١)!

قوله: "يجعله مجازًا كونيًّا"، تفسيره أن من الأصول المقررة أن المشتق


(١) مثل مشهور، وهو شطر بيت، صدره: المستجير بعمرٍو عند كربتهِ
قائله: التّكلام الضُّبَعي، كما في "فصل المقال" (ص ٣٧٧).