للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد سمعنا عن عِدَّة أشخاص أنَّ أحدهم كان تاركًا للصلاة، ثم رَغَّبَه الواعظون فيها وخوَّفوه من عقوبة تركها فشرع يحافظ على الصلاة، فأصابته مصائب في أهله وماله، فرأى أنَّ ذلك من أثر الصلاة فتركها.

ونحن نقول: يجوز أن يكون ما أصابه من أثر الصلاة. وتفسير ذلك ما جاء في الحديث: "إن الله طيِّب لا يقبل إلَّا طيبًا" (١)، فمِن شأنه سبحانه أنَّ العبد إذا تَرَك معصيةً يمتحنه ليظهر حقيقة حاله، وما الباعث له على ترك المعصية، الإيمان أم غيره؟

فإذا صبر على تلك المصائب تبيَّن أنَّ الباعث له على ترك المعصية إيمان ثابت، فيجبره الله عزَّ وجلَّ في الدنيا أو الآخرة، ويكفِّر عنه بتلك المصائب بعض ذنوبه المتقدِّمة، ويدفع عنه بتلك المصائب مصائب أعظم منها كان معرَّضًا للوقوع فيها.

كان رجل من قوَّاد يزيد بن معاوية، فسَقَط من سطح فانكسرت رجلاه فدخل عليه أبو قلابة ــ المحدِّث المشهور ــ يَعُودُه، وقال له: لعلَّ لك في هذا خيرًا، قال: وأيُّ خيرٍ في كسر رجليَّ معًا؟ قال: الله أعلم. فبعد أيام جاء رسولُ يزيدٍ إلى ذلك القائد فأَمَرَه بالخروج لقتال الحسين بن عليٍّ عليهما السلام فقال للرسول: أنا كما تراني، فعذروه، وكان ما كان من قتل الحسين، فكان القائد بعد ذلك [يقول]: رحم الله أبا قلابة، قد جعل الله لي في كسر رجليَّ خيرًا أيَّ خير، نجوتُ من دم ابن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو كما قال (٢).


(١) أخرجه مسلم (١٠١٥) وغيره، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) القِصَّة بنحو ما ذكرها المؤلِّف في: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (٢٨/ ٣٠٧)، و"المنتظم" لابن الجوزي (٧/ ٩٢)، وغيرهما.
إلَّا أنَّ فيها أنَّ الرجل من قوَّاد "عبيدالله بن زياد"، ولا تعارض بينهما؛ فعبيد الله بن زياد من قوَّاد يزيد بن معاوية.