وتارة على أنَّهم يعبدون ما لا وجود له ألبتَّة، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}[العنكبوت: ٤٢]. وقال سبحانه:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[يونس: ١٨].
وقولهم:"هؤلاء" إشارة إلى مذكورٍ في عبادتهم، كأنَّهم كانوا يعبدونها ويسمّونها بالأسماء التي اخترعوها، كما يأتي، ثم يقولون:"هؤلاء ... إلخ". فهم يَدْعُون ــ فيما يزعمون ــ بنات الله. ولا شيء هو بنتٌ لله.
وتارة على أنَّهم يعبدون إناثًا من الشياطين، قال تعالى:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا}[النساء: ١١٧].
وهذا إلزام لهم، كأنَّه قيل لهم: أنتم تعبدون إناثًا غيبيّةً، ولا تعرفون جنسًا غائبًا إلَّا الملائكة والجن، فأمَّا الملائكة فليسوا بإناثٍ، ولا فيهم إناثٌ، وإنَّما الإناث الغيبيَّة من الجن. ومن هنا يظهر معنى قوله:{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}[الصافات: ١٥٨]، وهو الوجه الذي تقدم الوعدُ به.
ثم قال تعالى:{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا}[النساء: ١١٧]، هذا ــ والله أعلم ــ إلزام آخر مبنيٌّ على الأول، وأدهى منه عليهم، كأنَّه قال: إذا