مرفوعًا:«خلق الله الفرس» إلخ. وقد تقدَّم في ترجمة حماد بن سلمة (١).
وكان ابن أبي داود صَلِفًا تيَّاهًا حريصًا على الغلبة. فكأنه سمع بعض النواصب يروي بسند فيه واحد أو أكثر من الدجَّالين إلى الزهري أنه قال:«قال عروة ... ». فحفظ ابن أبي داود الحكاية، مع علمه واعتقاده بطلانها، لكن كان يُعِدُّها للإغراب عند المذاكرة. ولما دخل أصبهان ضايقَ محدِّثيها في بلدهم، فتجمَّعوا عليه، وذاكروه، فأعوزه أن يُغرِبَ عليهم، ففزع إلى تلك الحكاية فقال:«الزهري عن عروة ... ». فاستفظع الجماعةُ الحكايةَ. ثم بدا لهم أن يتخذوها [١/ ٣٠٤] ذريعةً إلى التخلُّص من ذلك التيَّاه الذي ضايقَهم في بلدهم، فاستقرَّ رأيهم على أن يرفعوا ذلك إلى الوالي ليأمر بنفي ابن أبي داود، فيستريحوا منه، إذ لا يرون في القضية ما يوجب القتل. فلما أمر أبو ليلى بما أمر سُقِط في أيديهم، ورأوا أنهم إن راجعوه عاد الشرُّ عليهم. فقيَّضَ الله تبارك وتعالى ذلك السّريَّ الفاضلَ محمدَ بن عبد الله بن الحسن فخلَّصهم جميعًا.
ومن الجائز أن يكون ابن أبي داود قَبْل نَفْيه من بغداد وقعت له مثلُ هذه الواقعة، ولكن كان أهل بغداد أعقلَ من أهل أصبهان، فاقتصروا على نسبته إلى النَّصْب ونفيه من بغداد.
وعلى كلِّ حال، فقد أساء جدَّ الإساءة بتعرُّضه لهذه الحكاية مِن دون أن يَقرُنها بما يصرِّح ببطلانها. ولا يكفيه من العذر أن يقال: قد جرت عادتهم في المذاكرة بأن يذكر أحدُهم ما يرجو أن يُغرِب به على الآخرين بدون