مهلكٌ. وقد يؤديان إلى نتيجة واحدة، وهي الاسترسال في الفجور.
أما الأمن فواضح. وأما اليأس، فيقول اليائس: أما الآخرة فلا حظّ لي فيها إلّا النّار، فلماذا أجمع على نفسي مع ذلك تعذيبها في الدنيا بتحمُّل مشاقِّ الطاعات واتقاء الشهوات؟
فإن لم يؤديا إلى هذا، فلابدّ أن يؤديا إلى الجهل بالله عزَّ وجلَّ. أما الأمن فجهلٌ بحكم الله عزَّ وجلَّ وعدله، وأما اليأس فجهلٌ برحمة الله عزَّ وجلَّ وفضله.
فإذا عمد العالِم إلى أُناس مائلين إلى ما يقرب من الأمن فتلا عليهم النصوص المورثة للرجاء، أو إلى أُناسٍ مائلين إلى ما يقرب من اليأس فتلا عليهم النصوص المورثة للخوف والخشية= فالنصوص حقّ ومعرفتُها عِلم، ولكن التعليم مخالف للحكمة كما لا يخفى، لأن من شأنه أن يزيد الأولين قربًا من الأمن من مكر الله عزَّ وجلَّ، ويزيد الآخرين قربًا من اليأس من رحمته.
فمن لم يُراعِ في التعليم إلا بيانَ العلم أوشك أن يقع في مثل هذا مما هو مخالف للحكمة، بل ولحقيقة العلم؛ فإن حقيقة العلم هنا إنما هي ما يُوقِف الإنسان بين الرجاء والخوف.
فمن هنا اقتضت الحكمة أن يُراعَى في التعليم حال المخاطبين، وبذلك نزل القرآن. فمن الآيات ما روعي فيها الجانبان كقوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: ٤٩ - ٥٠].