لأنَّ فيها نهيًا عن القراءة مطلقًا إذا قُريءَ القرآن، وبعيدٌ عن الصحابة القراءة في الصلاة حال قراءته - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكذا إجازته - صلى الله عليه وآله وسلم - بقراءة أم القرآن خلفه مطلقًا بعد نزول الآية ... ).
أقول: الآية مكية اتفاقًا، وحديث عبادة ونحوه وقع بالمدينة اتفاقًا، وسأعقد للآية فصلًا مستقلًّا إن شاء الله تعالى. وإنما أذكر هاهنا ما يردُّ على استدلال الشارح على تأخر نزول الآية.
فأقول: قد كان الصحابة رضي الله عنهم يقرؤون خلف الإمام بعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، وسنثبت ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى. والظاهر البيِّن أنهم كانوا يقرؤون خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن توفَّاه الله - عز وجل -، ولا شكَّ أنَّ ذلك بعد نزول الآية؛ فكيف يستبعد هذا الأمر الذي قام الدليل على وقوعه؟
ثم من الجائز أن يكونوا فهموا أنَّ الآية خاصة بمن ليس في صلاة؛ بدليل قوله تعالى:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}[الإسراء: ٧٨]؛ حيث سمَّى الصلاة قرآنًا.
أو فهموا أنَّ المراد الإنصات عن الكلام الأجنبي لا عن القراءة نفسها؛ ظنًّا أنَّ المقصود من الإنصات فهم القرآن وتدبُّره. فإذا كان السامع نفسه يقرأ القرآن فقد حصل له تدبُّر ما يقرأه بنفسه مع زيادة التلاوة.
أو فهموا أنَّ المراد بالإنصات ترك رفع الصوت؛ لقوله بعدها:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} الآية [الأعراف: ٢٠٥]، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، والاحتمالات كثيرة.