العاص، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وأبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وعبد الله وأبو جندل ابنا سُهَيل بن عَمرو وغيرهم. وآباء هؤلاء هم أكابر رؤساء قريش وأعزّهم وأغناهم، فارقهم أبناؤهم وأسلموا. فتدبَّر هذا، فقد جرت عادةُ الكُتَّاب إذا ذكروا السابقين إلى الإسلام ذكروا الضعفاء، فيتوهَّم القارئ أنهم أسلموا لضعفهم وسخطهم على الأقوياء وحبهم للانتقام منهم على الأقل؛ لأنه لم يكن لهم من الرياسة والعزِّ والغنى ما يصدّهم عن قبول الحق وتحمُّل المشاق في سبيله.
والحقيقةُ أعظم من ذلك كما رأيت، إلا أن الرؤساء عاندوا واستكبروا، وتابعهم أكثر قومهم مع شدَّة تأثرهم بالإسلام، فكان في الشُبَّان مَنْ كان قَوِيَّ العزيمة، فأسلموا وضَحَّوا برياستهم وعِزِّهم وغناهم، متقبِّلين ما يستقبلهم من مصاعب ومتاعب، وبقي الإسلام يعمل عمله في نفوس الباقين، فلم يزل الإسلام يفشو فيهم حتى بعد هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. ثم لما كان صُلح الحديبية وتمكَّنَ المسلمون بعده من الاختلاط بالمشركين، ودعوة كلِّ واحد قريبه وصديقه= فشا الإسلام بسرعة، وأسلم في هذه المُدَّة من الرؤساء: خالد بن الوليد، وعَمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة وغيرهم، والإسلام يعمل عملَه في نفوس الباقين.
ونستطيع أن نجزم أن الإسلام كان قد طرد الشرك وخرافاته من نفوس عقلاء قريش كلهم قبل فتح مكة، ولم يبق إلا العناد المحض يَلْفِظُ آخر أنفاسه، فلما فُتِحَت مكة مات العناد ودخلوا في الإسلام الذي قد كان تربَّع في نفوسهم من قبل. نعم بقي أثر في صدور بعض الرؤساء، فبسط لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - التأليف يوم فتح مكة وبعده، وآثرهم بغنائم حُنين، ولم يزل يتحرَّاهم