للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا ولم يكلَّف العالِمُ بأن لا يكون له هوى، فإنّ هذا خارج عن الوسع. وإنما الواجب على العالِم أن يفتِّش نفسه عن هواها حتى يعرفه، ثم يحترز منه، ويُمعِنَ النظرَ في الحق من حيث هو حق؛ فإن بان له أنه مخالف لهواه آثر الحق على هواه. وهذا ــ والله اعلم ــ معنى الحديث الذي ذكره النووي في "الأربعين" (١) وذكر أن سنده صحيح، وهو: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به" (٢).

والعالِم قد يُقصِّر في الاحتراس من هواه، ويسامح نفسَه، فتميل إلى الباطل، فينصره وهو يتوهّم أنه لم يخرج من الحق ولم يُعادِه. وهذا لا يكاد ينجو منه إلا المعصوم، وإنما يتفاوت العلماء، فمنهم من يَكثُر منه الاسترسال مع هواه ويفحُش حتى يقطع من لا يعرف طباع الناس ومقدار تأثير الهوى بأنه متعمِّد، ومِنهم من يقِلُّ ذلك منه ويخِفُّ. ومن تتبَّعَ كتب المؤلفين الذين لم يُسندوا اجتهادهم إلى الكتاب والسنة رأسًا رأى فيها العجب العُجاب، ولكنه لا يتبين له ذلك إلا في المواضع التي لا يكون له فيها هوى، أو يكون هواه مخالفًا لما في تلك الكتب، على أنه إذا استرسل


(١) هو الحديث رقم (٤١). وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (١٥) والخطيب في "تاريخ بغداد" (٤/ ٣٦٩) والبغوي في "شرح السنة" (١٠٤) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(٢) قلت: أنى له الصحة وفي سنده نعيم بن حماد، وقد سبقت ترجمته، وما فيه من الضعف، ثم هو قد اختلف عليه في إسناده كما بينه الحافظ ابن رجب الحنبلي في "شرح الأربعين" (ص ٢٨٢ - ٢٨٣)، وقال: "تصحيح هذا الحديث بعيد جدًّا من وجوه، منها تفرد نعيم به ... ". ثم بيَّنها، فمن شاء التفصيل فليرجع إليه، وقد أشار البخاري إلى ضعفه في "جزء رفع اليدين" (ص ١٦) [ن].