للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصعب على الماهر في كلامهم الدفاعُ عن تلك النصوص، ولو فَعَلَ مع اعتقاده خلافها لم يكن عليه عند نفسه غضاضةٌ في علمه ولا دينه إن كان متدينًا، لأنه إنما رضي لنفسه من ذلك ما يرى أن ربَّ العالمين رضيه لنفسه ولأنبيائه ورسله. وقد وبَّخ الله عز وجل المشركين في قولهم: إن له سبحانه بناتٍ مع كراهيتهم أن تكون لهم بنات. قال تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: ٢١ - ٢٢]. وقال سبحانه: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ [٢/ ٣٠٥] لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: ١٦ - ١٨].

مع أن المشركين ــ فيما أرى ــ حاولوا التنزيه، لأنهم رأوا أن الابن من شأنه أن يشارك أباه في مُلكه، بخلاف البنات فإنهن كنَّ في عرفهم مطرَّحات. وصنيع أولئك الذين يسمُّون أنفسهم «الخاصة» أسوأ من ذلك، إذ يزعمون أن الله تبارك وتعالى رضي لنفسه ولرسله الكذبَ والتلبيسَ، ثم لا يرتضون مثل ذلك لأنفسهم، بل يتنزَّهون عن ذلك جهدَهم، مع علمهم بأن صنيعهم مناقضٌ لما يقولون إن صلاحَ الناس فيه، ومُوقِعٌ فيما يقولون إنه فساد عظيم. فليتهم إذ لم يسمح لهم شرفُ أنفسهم في زعمهم أن يتلوَّثوا بما يزعمون أن الله عز وجل ارتضاه لنفسه ولرسله، سكتوا عن مناقضة ما جاء به الشرع، وتركوا المسلمين ودينهم. لكن الله تبارك وتعالى أراد أن يهتك أستارهم، ويبلو بهم كما ابتلاهم. قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} فاتحة العنكبوت.