إذا أراد أن يرفع بعض عباده إلى مرتبةٍ هيّأ له ما يستحقّ به المرتبة، ومِن ذلك أن يهيئ ما يفهم منه العبد أنه مكلّف بعمل معيَّن شاقّ، فيقبل التكليف ويستعدّ لمحاولة الأداء، فحينئذ يعفيه الله تعالى من ذلك العمل، ويكتب له جزاءَ قبوله ومحاولةِ الوفاء به أو الاستعداد لذلك= ثوابَ مَنْ عَمِلَه. ومن هذا القبيل قصة إبراهيم في ذبح ابنه.
وأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان يعلم أن الأداء ممكن كما مرَّ، وكان في ذلك المقام الكريم مستغرقًا في الخضوع والتسليم، ووفّقه الله عز وجل لقبول ما فهمه في فرض خمسين والاستعداد لأدائها، ليكون هذا القبول والاستعداد مقتضيًا لاستحقاق ما أراد الله عز وجل أن يعطيه وأمته من ثواب خمسين صلاة. وقبوله واستعداده عنه وعن أمته في حكم قبول الأمة، فإنها تَبَع له وكان هو النائب عنها، على أنه ما من مؤمن من أمته يطَّلع على الحديث ويراجع نفسه إلا رأى أنه لو كان المفروض خمسين صلاة لبذَلَ وُسعه في أدائها والوفاء بها. فأما المراجعة للتخفيف بعد مشورة موسى فإنما كانت بعد أن استقرَّ القبول والعزم على الأداء، وعلى وجه الرجاء إن خفف فذاك وإلا فالقبول والاستعداد بحاله.
ولم يذكر في الحديث أن أحدًا من الرسل اطلع على فرض الصلاة وإنما فيه أنه لما مرَّ محمد بموسى عليهما السلام سأله موسى فأخبره فقال موسى:«إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جرَّبتُ الناسَ قبلك وعالجت بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك»(١). واختصَّ موسى بالعناية لأنه أقرب الرسل حالًا إلى محمد؛ لأن كلًّا منهما رسول منزل عليه كتاب تشريعي سائسٌ لأمة أُرِيدَ لها
(١) أخرجه البخاري (٣٤٩)، ومسلم (١٦٢) في حديث الإسراء الطويل.