للآخرة. فإن كان ولا بد، ففيما يغلب على ظنه أنه لا يثبِّطه عن السعي للآخرة. وهو على كل حال متوكِّلٌ على الله، راغبٌ إليه سبحانه أن يختار له ما هو خير وأنفع. ثم يباشر الطاعة خاشعًا خاضعًا مستحضرًا أن الله عز وجل يراه ويرى ما في نفسه، ويأتي بها على الوجه الذي شرعه الله عز وجل. وهو مع ذلك كما قال الله تعالى:{يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[المؤمنون: ٦٠]، فهو يخاف ويخشى أن لا تكون نيته خالصة.
وذلك أن النية الصالحة قد تكون من قوي الإيمان، وقد تكون من ضعيفه الذي إنما يطيع احتياطًا، وقد لا تكون خالصةً بل يمازجها رغبةٌ في ثواب الدنيا لأجل الدنيا، أو رغبةٌ في الآثار الطبيعية ككسر الشهوة حيث لا يشرع، وكتقوية النفس. كالذي [٢/ ١٩٤] يصوم ويقوم ليكون من أهل الكشف، فيطلع على العجائب والمُغَيَّبات، فيلتذّ بذلك، ويعظُم جاهه بين الناس. وكذلك [من] يتعبد ليحصل له الكشف، فيصفو إيمانه، ويستريح من الوسوسة ومدافعة الشبهات. فإنَّ هذه الطريقة غير مشروعة، ومن شأنها أن تجرّ إلى تعاطي الأسباب الطبيعية لتقوية النفس، وإن كانت منهيًّا عنها في الشرع، كما هو معروف في بدع المتصوِّفة. ومن حَصَل له الكشف بهذه الطريق، فهو مظنة أن يضْعُف إيمانُه أو يزول عقوبةً له على سلوكه غير السبيل المشروع، حتى لو كُشِف له عن شيء مما يجب الإيمان به فشاهَدَه لم ينفعه هذا الإيمانُ كما يُعلم مما تقدَّم. وإنما المشروع أن يجاهد نفسه، ويصرفها عن الشبهات والوساوس، مستعينًا بطاعة الله تعالى والوقوف عند حدوده، مبتهلًا إليه عز وجل أن يثبِّت قلبه بما شاء سبحانه، فهذا إنما يحمل على اتباع الشرع والاهتداء بهداه.