للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويدل عليه في هذا الحديث نفسه أن الصحابيَّ جعل الأمر بالتسوية أمرًا بالتخفيف من التراب، حيث قال: "أخِفُّوا عنه"، "خَفّفوا"، "خَفّفوا عليه التراب فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بتسوية القبور".

[ص ٢٦] وإنما يكون الأمر بالتسوية أمرًا بالتخفيف إذا أُرِيْد بها التسوية بالأرض، فأما تسوية القبر في ذاته، فإنها تُمْكِن مع كثرة التراب، كما تُمكن مع قلته.

والصحابيُّ لم ينقل لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنصِّه حتى يسوغ لنا أن نستقلّ بفهمه، وإن خالف فهم الصحابي، وإنما مؤدَّى كلامه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بتسوية القبور، التسوية المقتضية لتخفيف التراب. أي أن بيان كون التسوية المأمور بها هي التي تقتضي تخفيف التراب مرفوعٌ تقوم به الحجة.

وقد مر عن "كنز العمال" (١) حديث: "سووا القبور على وجه الأرض إذا دفنتم". فإن صحَّ فهو صريح في التسوية بالأرض، إذ لا يصح أن يقال: "سووا القبور" أمرٌ بتسويتها في ذاتها، و "على وجه الأرض" حالٌ؛ إذ لا معنى للحال، فالقبور على وجه الأرض على كل حال، فما بقي إلا أن يكون سووها بوجه الأرض.

وقال الباجي في "شرح الموطأ" (٢): قال ابن حبيب: وروى جابر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تُرْفع القبور أو يُبْنى عليها، وأمر


(١) رقم (٤٢٣٨٧). وانظر (ص ٢٠).
(٢) (٢/ ٤٩٤).