للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اتَّسع نطاق الخواطر والتديُّن فأصبح أكثر القوم يَبْنُون دينهم عليها، وساعد على ذلك أنَّ أكثرهم كانوا من الأعاجم.

واسْتَفْحَل الأمر في القرن الثالث، واتَّصل بالطَّريق الثاني، وهو النَّقل عن الأُمم كاليونان والهند، فحكاها المتفلسفون، وتقبَّلها المتصوِّفون، وعظَّمها بعض المتعطِّشين إلى العِلم، الزَّاهدين في الكتاب والسُّنَّة.

وذلك أنَّ المتكلِّمين قد كانوا من قبل ذلك وضعوا من الكتاب والسُّنَّة، وزعموا أنَّه ليس فيهما ما يُغني في معرفة قواعد العقائد، بل من اقتصر عليهما كان بغاية الجهل بالله تعالى وصفاته، وأنَّ حقيقة الأمر إنَّما تُدرَك بالنَّظر العقلي، فاغترَّ كثيرٌ من النَّاس بذلك، فخاض مع الخائضين= فكان من أذكيائهم من لم يحصِّل في طريق المتكلِّمين على ما يشفي الغليل.

واتَّفق أن كان ذلك بعد نقل الفلسفة؛ فخاض هؤلاء فيها، فمنهم من لم يحصِّل فيها على طائلٍ. واتَّفق أن كان ذلك وقت انتشار قول الباطنيَّة؛ فخاض هؤلاء معهم، فلم يجدوا عندهم شيئًا. واتَّفق أن كان ذاك وقت اشتهار خواطر المتصوِّفة.

على أنَّ الباطنيَّة يخلطون خرافاتهم بالكلام والفلسفة والتصوُّف، كما تراه في «رسائل إخوان الصفا» من كتبهم (١).


(١) يُنظر في تفصيل الكلام عن هذه الرسائل: «إخوان الصفا ــ فلسفتهم وغايتهم» تأليف: د. فؤاد معصوم. والمراجع التي أحال عليها الدكتور محمد رشاد سالم في تحقيق «درء تعارض العقل والنقل» (١/ ١١) حاشية (١).
وقد تتابع كلام الأئمة في ذم هذه الرسائل، وأنها جمعت بين علوم الفلسفة وعلوم الشريعة، وأنَّى يجتمعان!
ويُنظر أيضًا: «طبقات الشافعية» لابن الصلاح (١/ ٢٥٦)، و «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص ١٧٠)، و «درء التعارض» له (٦/ ٢٤٢)، وغيرها.