دنيوي، فهو قريب من سؤال المال، وهو حرام شرعًا لغير المضطر.
الثالث: الطيرة، وهي وَهْم مجرَّد مع ما فيها من خطر الشرك.
فالذي يدل هذا الحديث أن تركه مطلوب شرعًا هو هذه الثلاثة وما في معناها. والتداوي ليس في معناها إذ ليس فيه مشقة كمشقة الكي، ولا مفاسد كمفاسد الرقية، ولا هو وَهْم قد يكون شركًا كالتطيُّر. وقد تداوى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمر بالتداوي، ونهى عن تلك الثلاثة. فلو لم نفهم فرقًا بينه وبينها لسقط القياس للنص، فكيف والفرق مثل الصبح ظاهر.
فإن قيل: إن آخر الحديث: "وعلى ربِّهم يتوكَّلون".
قلت: حقيقة التوكل كما يدل عليه الكتاب والسنة وسِيَر الأنبياء عليهم السلام هو: الثقة بالله تبارك وتعالى والاعتماد عليه دون الأسباب. فالمؤمن يتعاطى ما شرعه الله تعالى من الأسباب الواجبة والمندوبة وما يقرب منها مما هو سبب ظاهر ولم يحرِّمه الشارع ولا كرهه، بل ندب إليه في الجملة كالتداوي وطلب الحلال وغيره، ولكنه إنما يتعاطاها امتثالًا لشرع الله عزَّ وجلَّ ولسنَّته التي أجرى هذا العالَم عليها. وهو مع ذلك عالم أن حصول المطلوب إنما هو بمشيئة الله عز وجل وفضله. وهو مع ذلك عالم بأن الله تبارك وتعالى هو الذي جعل الأسباب والذي يسَّرها له، إلى غير ذلك.
ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن يقصِّر في تعاطي الأسباب حتى ظاهر في بعض حروبه بين درعين، ولكنه مع ذلك غير واثق إلا بربه عزَّ وجلَّ {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[آل عمران: ١٢٦].