أقول: وأمّا أمرُ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الخرَّاصين أن يدَعوا الثلث أو الربع، فذلك قبل حلول الحصاد، ليأكلوا منه ويتصدَّقوا ويُهدوا؛ لأنَّ ما قد خُرِص فقد لزمت الزكاة بقدر الخرص.
ولو بقي من هذا الثلث المتروك لهم شيء إلى حلول الحصاد، فهل تجب فيه الزكاة أو لا؟
الظاهرُ: نعم، للآية، وتكون فائدة السنَّة في أنه لو أكله لم تلزمه زكاته.
والظاهر: أنَّ ما جاز له أن يأكله جاز له أن يتصرَّف فيه بغير ذلك.
والظاهر: استمرارُ الجواز إلى استحقاق الحصاد كما هو ظاهر الآية. وإيَّاه رجَّح سيّدُنا أيَّده الله.
وأما السيد محمد بن عبد الرحمن فقال: إن قوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا} ليس قيدًا في شيء مما قبله، بل هو جملة مستأنفة عامّة؛ لمجيء الفعل في حيِّز النهي، والنهي كالنفي، والفعل كالنكرة؛ فيشمل كلَّ إسراف.
فقال سيدنا أيَّده الله: ويقوِّيه أنهم يقولون: حذفُ المعمول يُؤذِن بالعموم.
فقلت: وحينئذ يدخل تحت عمومه إعطاءُ الكل في صدقة التطوّع، فيحتاج إلى تخصيص كون ذلك محمودًا في حقِّ أهل اليقين بأدلّته، كآية {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[الحشر: ٩] وغيرها.
فقال سيّدنا أيَّده الله: وحينئذ لا يبقى محملٌ للإطلاق إلّا على ضعفاء اليقين