المعنى أو ذاك، فإن أضمر الراجح فلا خفاء أنه إن كان هو الواقع فالخبر صدق، وإلا فكذبٌ. وإن أضمر المرجوح، فقد يكون خلاف الواقع، وقد يكون هو الواقع، فانظر فيما إذا كان خلاف الواقع، هل يصير الخبر كذبًا، وهل يَلزمُ المخبرَ قبحُ الكذب وذمُّه وإثمه؟
وذلك كأن تعلم أن والد زيد مات في ليلة ولم ينم فيها، فتُبكِّر إلى زيد قاصدًا أن تخبره خبرًا يكون ظاهره الراجح هو الواقع أي الموت، ويحتمل خلاف الواقع وهو النوم، فتقول له: مات أبوك البارحة، وتضمر في نفسك عند قولك:«مات» معنى «نام»، وليس هناك قرينة.
أقول: لا يخفى على من يتدبر أن هذا الإضمار لا يصير به الخبر كذبًا، ولا يلزم المخبرَ اسمُ الكذب ولا قبحه ولا ذمه ولا إثمه. نعم، قد يُكره له ذاك التخيل، كما يكره للرجل تخيلُ أنه يلابس معصية، هذا أشد ما قد يقال فيه.
ونظيره أن تَعمِد إلى عصير تفاح ــ مثلًا ــ تعلم أنه حلال، فتصبَّه في كأسٍ تُشبه في الجملة الكأسات التي يشرب الفجار فيها الخمر، وتخيِّل لنفسك أنه خمر، وتشربه مع ذاك العلم وذاك التخيل. أو تَعمِد إلى امرأتك فتكسوها ثوبًا يشبه في الجملة ثوبًا رأيته على أجنبية، ثم تواقعها عالمًا بأنها امرأتك، متخيلًا أنها تلك الأجنبية.
فهل يلزمك بهذا اسم شرب الخمر والزنا وإثمهما؟
فانظر الآن في عكس هذا، وهو أن يكون المعنى الظاهر الراجح من الخبر هو المخالف للواقع، والمعنى المرجوح مطابق للواقع، وأضمره المخبر، وذلك كأن يكون الواقع أن والد زيدٍ لم يمت وإنما نام، فقصدتَ زيدًا عازمًا على أن تخبره خبرًا يكون الظاهر الراجح منه هو الموت الذي تعلم أنه