خلاف الواقع، ويكون محتملًا احتمالًا مرجوحًا لمعنى مطابق للواقع، وهو النوم، فقلتَ له:«مات أبوك البارحة»، وأضمرت في نفسك معنى «نام»، ولا قرينة. فهل تخرج بهذا عن اسم الكذب وقبحه وذمه وإثمه؟
ونظير هذا أن تعمد إلى خمر تعلم أنها خمر محرمة، فتصبَّها في قعبٍ وتشربها، مخيِّلًا لنفسك أنها حليب. أو تعمد إلى امرأة جارك وأنت بها عارف، فتلقي عليها ثوبًا من ثياب امرأتك، وتواقعها مخيلًا لنفسك أنها امرأتك. فهل يخرجك هذا عن اسم شرب الخمر والزنا وإثمهما؟
وبهذا يتضح أننا إن سمينا تخيل المتكلم للمعنى المرجوح إرادةً، فليست هي إرادة المتكلم التي ينبغي أن يُناط بها الحكم، وإنما إرادته التي ينبغي أن يناط بها الحكم هي إرادته عند بناء الخبر أن يكون ظاهرًا راجحًا في معنى، فإن كان يعتقد أن ذاك المعنى حق وصدق فلم يرد إلا الصدق، وإن كان لا يعتقد ذلك فقد أراد الكذب ولا بدَّ.
وقد حصل بيدنا مثالٌ للدعوى الباطلة، لكن إنما يظهر البطلان حيث يظهر عدم التأويل، وإنما يتم ذلك في مثالٍ غير صالح للتأويل، وذلك كأن تشير لصاحبك إلى حصاةٍ وتقول:«أرى أسدًا»، فهذه دعوى باطلةٌ وكذب.
أما البطلان؛ فلأن الحصاة لا تكون أسدًا حقيقة، كما هو واضح، ولا مجازًا؛ لفقد العلاقة المعتبرة التي يترتب عليها التأويل.
وأما الكذب؛ فلأن الخبر مخالف للواقع، لأن المجاز لا يصح، فيبقى اللفظ على حقيقته، أي أن الحصاة أسد حقيقي، وظهور بطلان هذا لا يوجب العدول عنه، إذ ليس هنا معدلٌ صحيح، فلا معنى للعدول عن باطلٍ