وأما الجواب الثالث فيردُّه أن أهل اللغة ذكروا أن "ورث" يتعدَّى إلى مفعولين، ولم يفرقوا بين ورثتُه وورثتُ منه. وقولهم:"حذف المعمول يُؤذِن بالعموم" ليس على إطلاقه، فإنه يقال:"قَتلَ فلان" وليس المعنى أنه قتلَ كلَّ أحد، وقالوا: فلان يعطي وفلان يمنع، وليس المعنى يعطي كلَّ شيء ويمنع كلَّ شيء، وإنما يُؤذِن بالعموم حيث كان المقام يستدعي ذكره لو كان خاصًّا، ولا علة لتركه غير العموم، وما هنا ليس كذلك، فإن القصد من قوله:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} إنما هو ذكر وجود الأبوين. وإنما لم يقل:"وله أبوان" لأن مثل هذا إنما يحسن فيما قد يكون وقد لا يكون البتة، كالولد والإخوة، فأما الأبوان فكل إنسانٍ له أبوان عدا آدم وحواء وعيسى عليهم السلام.
فإن قيل: إنما المراد بقوله: "وله ولد"، "وله إخوة" من كان حيًّا، فلو قيلَ:"وله أبوان" لكان المعنى: وله أبوان حيَّان، والأبوان الحيَّان قد يكونان وقد لا يكونان في ...
قلت: نعم، ولكن الكلام في حسن التعبير.
وأما قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} ففي دعواكم نظر، ولا يلزم من ترك التقييد إغناء الكلام عنه، فقد يترك التقييد في آية لبيان أخرى ....
وأما قوله تعالى:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فقد لقيتمونا ببعض الكلام عليها، ولا حاجة بنا إلى استيفائه، بل يكفينا أن نقول: إذا اتجه أن يكون المراد هنا: يُحرِز جميعَ مالها، فلقائلٍ أن يقول إنما كان ذلك هنا لتقدُّم المبتدأ، كما في قولهم: أنا فعلتُ ذلك، أو أن المقام هنا يستدعي ذكر المفعول، فآذن حذفُه بالعموم، وليس قوله:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} كذلك.