للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صح ذلك فلعله لازمَه أولًا للإرجاء، فإن حمادًا كان يقول به في الجملة كما مرَّ، ثم أكمل المدة للفقه. فإن صح هبوطه البصرةَ نحو عشرين مرة لمخاصمة القدرية، فليس مِن لازمِ انصرافه إلى الفقه هجرُه الكلامَ في القدر البتة، ولا مِن لازمِ ملازمته حمادًا أن لا يغيب عنه في السنة الأسبوع والأسبوعين، والشهر والشهرين للحج (١) والحاجة. على أن حمادًا توفي سنة ١٢٠ كما قاله أبو بكر ابن أبي شيبة، وحكى ابن سعد (٢) إجماعَهم عليه. وقول البخاري ــ وتبعه ابن حبان ــ سنة ١١٩ متأخر عن هذا الإجماع. وملازمة أبي حنيفة حمادًا ثماني عشرة سنة معناه إذا كان مولد أبي حنيفة أول سنة ٨٠ (٣) أنه ابتدأ في الملازمة وسِنُّه نحو ثلاث وعشرين سنة، فلا مانع أن يكون قد مَهَر في مسائل الكلام المعروفة حينئذ كالإرجاء والقدر. وهذا ابن سينا يزعم أنه أحكم المنطقَ وأقليدس والمِجَسْطي والطبيعي والإلهي والطبَّ، وألَّف فيها أو في أكثرها، وكان مع ذلك يتلقى الفقه ويناظر فيه، وأخذ الأدب= كلُّ ذلك وعمره إحدى وعشرون سنة! ولذلك نظائر.

وبالجملة فلم يأتِ الأستاذ بعد اللَّتيَّا والَّتي بما يصح أن يُعَدَّ معارضًا لما ثبت من أن مولد أبي [١/ ١٩١] حنيفة سنة ثمانين، ولم يستفد إلا تضييع وقته ووقت من يتعقَّبه، والسعي فيما لو صحَّ لأنتج نقيضَ مقصوده كما سلف! والله المستعان.


(١) (ط): «للحجج» تحريف.
(٢) في «الطبقات»: (٨/ ٤٥٢).
(٣) (ط): «١٨٠» خطأ.