أبا نعيم الفضل بن دكين قال: سنة ٩٦، وقال ابن حبان:«مات بعد الحجاج بأربعة أشهر». والحجاج هلك في شوال سنة ٩٥، وقيل: في رمضان منها، فإذا كان أبو حنيفة ولد أول سنة ثمانين، فإنه يتم له عند وفاة إبراهيم ست عشرة سنة، ومن كان في هذا السن وهو جَلْد ذكيّ لا يمتنع أن يستعين به أصدقاء أبيه في جمع المال ونحوه، ولاسيما إذا كان أبوه مرجئًا فإنه ينشأ متحمسًا لرأي أبيه جاهدًا فيه.
قال الأستاذ:«ومنها: أنه قد تضافرت الروايات على أن أبا حنيفة قبل انصرافه إلى الفقه كان جدليًّا يشتغل بعلم الكلام، حتى هبط البصرة نحو عشرين مرة ليناظر القدرية وغيرهم. ثم [١/ ١٩٠] انصرف إلى الفقه، ومن تكون سِنه عند وفاة النخعي كما ذكرناه، لا يمكن له الاشتغال الطويل بالجدل قبل انصرافه إلى الفقه».
أقول: ما تضافرت الروايات، بل تنافرت. ففي «تاريخ بغداد»(١٣/ ٣٣١) من طريق «محمد بن شجاع الثلجي، ثنا الحسن بن أبي مالك، عن أبي يوسف قال: قال أبو حنيفة: لما أردتُ طلبَ العلم جعلت أتخيَّر العلوم، وأسأل عن عواقبها ... قلت: فإن نظرتُ في الكلام ما يكون آخره؟ قالوا: لا يسلَم مَن نظر في الكلام من مشنَّعات الكلام، فيرُمى بالزندقة ... قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تُسأل وتفتي الناس، وتُطلب للقضاء وإن كنت شابًّا. قلت: ليس في العلوم شيء أنفعُ من هذا. فلزمت الفقة وتعلَّمته». والروايات المخالفة لهذه والموافقة لها يُعلم ما فيها بالنظر في أسانيدها.
وهَبْ أنه صحَّ أن أبا حنيفة كان جدليًّا ثم انصرف إلى الفقه، فمتى انصرف؟ إن قيل: قد جاء عنه أنه لازم حمَّادًا ثماني عشرة سنة. قلت: إن