للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جرحه عداوة، سببُها الاختلاف في الاعتقاد. فإن الحاذق إذا تأمل ثَلْبَ أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب! وذلك لشدّة انحرافه في النّصْب، وشهرة أهلها بالتشيع. فتراه لا يتوقف في جرح مَن ذَكَره منهم بلسان ذَلْق (١) وعبارة طَلْقة، حتى إنه أخذ يليِّن مثلَ الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية. فهذا إذا عارضه مثلُه أو أكبرُ منه، [١/ ٥٨] فوثَّق رجلًا ضعَّفه قُبِلَ التوثيق.

ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خِراش المحدّث الحافظ، فإنه من غلاة الشيعة بل نُسِب إلى الرفض، فيُتأنَّى في جرحه لأهل الشام؛ للعداوة البينة في الاعتقاد. ويلتحق بذلك ما يكون سببُه المنافسةَ في المراتب، فكثيرًا ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين [لهذا] (٢) وغيره. فكلُّ هذا ينبغي أن يُتأنَّى فيه ويُتأمَّل".

أقول: قول ابن حجر: "ينبغي أن يتوقف" مقصوده ــ كما لا يخفى ــ التوقّف على وجه التأنّي والتروِّي والتأمل. وقوله: "فهذا إذا عارضه مثله ... قبل التوثيق" محلّه ما هو الغالب من أن لا يلزم من اطراح الجرح نسبةُ الجارح إلى افتراء الكذب، أو تعمّدِ الحكم بالباطل، أو الغلطِ الفاحش الذي يندر وقوعُه. فأما إذا لزم شيء من هذا، فلا محيص عن قبول الجرح، إلا أن تقوم بينة واضحة تثبت تلك النسبة.

وقد تتبّعتُ كثيرًا من كلام الجوزجاني في المتشيِّعين، فلم أجده


(١) (ط): "ذلقة". والمثبت من "اللسان".
(٢) من "اللسان"، وهو ساقط من الطبعة القديمة التي ينقل منها المؤلف.