المحسوسات والمعقولات الأولية وغيرها مما هو من أجلى القطعيات، فإذا سمع الناظر تلك الشبهات تزلزلَ اعتقادُه قطعيةَ تلك القطعيات أو كاد يتزلزل. ولهذا كان حكماء الأئمة من سلف الأمة يتجنبون سماع الشبهات، وينهون الناس عن مخالطة أهلها وسماع كلامهم.
وحلُّ هذه الشبهة أن من أصل المخالف وغيره من مثبتي الحكمة: أنه لا يُعتدُّ بالشر القليل الناشئ عما ينشأ عنه الخير الكثير، ولا تُترك المصلحة الكبرى لانطوائها على مفسدة صغرى.
فالتعبد بخبر الواحد ــ بشرطه ــ فيه خير كثير ومصالح عظمى، فلا ينظر إلى احتمال أن يكون في بعض الجزئيات باطلًا. وأمثلة ذلك في خلق الله عز وجل معروفة مشهورة. وقد قال تعالى:{لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}[الأعراف: ٥٤]. وكذلك له أمثلة فيما اتفق عليه من أمره سبحانه، وهو الشريعة، كالتعبد بما يظهر للعالم من دلالة القرآن، وتعبُّدِ القاضي بأن يحكم بالاعتراف وشهادةِ عدلين، والتعبد بركوب البحر وغيره وإن احتمل أن يؤدي إلى الهلاك، وتعبُّدِ المرأة بتمكينها مَن عهدته زوجَها أو سيدَها، وإن احتمل أنه قد طلق أو أعتق، إلى غير ذلك.
ولو اشتُرِط في ذلك وأمثاله حصولُ القطع بالعلم اليقيني لفسدت الأرض، إلا أن يجعل الله عز وجل جميع بني آدم أنبياء يوحى إليهم في كل شيء، وذلك خلاف الحكمة في خلقهم، كما هو مقرر في موضعه.
على أننا لا نسلِّم أن العمل بخبر الواحد ــ الجامعِ للشروط ظاهرًا، الباطلِ باطنًا ــ ليس فيه مصلحة، بل فيه المصلحة العظمى، وهي طاعة الله