للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عصره، ومع الأئمة المجتهدين، إذ لم يُرجِّحْ أحدَهم على غيره مطلقًا بدون مرجِّح ظاهر، كما هو شأن المقلد المحض، بل عمل بقول هذا في مسألة، وقولِ الآخر في أخرى، وترجيحه بمقتضى الدليل الشرعي كما عرفه وفهمه، وكما أخبره مفتيه أنه لا معارضَ له. وهذا كما كان علماء التابعين ومَن بعدهم يتخيرون في أقوال الصحابة، ويرجِّحون بحسب ما يقتضيه الدليل، ويُفتون القاصرين بذلك.

رُوي عن الإمام الشافعي أنه قال (١): ما جاء عن الله ورسوله فعلى العين والرأس، وما جاء عن الصحابة تخيَّرنا، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال.

ونحن نقول: ما جاء عن الله ورسوله فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الأئمة المجتهدين من الصحابة وغيرهم مجمعًا عليه فهو في حكم ما جاء عن الله ورسوله، فعلى الرأس والعين؛ أو مختلَفًا فيه تخيَّرنا، فاخترنا ما ظهر لنا رجحانه بالنسبة إلى الدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله. ومع ذلك فنعوذ بالله عزَّ وجلَّ ونبرأ إليه من تنقُّص أحدٍ من الأئمة رضي الله عنهم، كما كانوا يعوذون بالله ويبرأون إليه من تنقُّص أحدٍ من الصحابة، ولكن فرض الله في حقِّنا أن نتخيَّر في أقوال المجتهدين إذا اختلفوا، عملًا بأمره أن يُرَدَّ ما اختُلِف فيه إليه وإلى رسوله، وكان هذا في حياة رسوله بالرد إلى كتاب الله تعالى وإلى رسوله بنفسه، وبعد وفاة رسولِه بالرد إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وهذا كما كان عمل الأئمة رحمهم الله تعالى إذ فرض الله عليهم ذلك، فكانوا يتخيرون في أقوال الصحابة إذا اختلفوا بردّها إلى كتاب الله


(١) هذا مشهور عن الإمام أبي حنيفة، وقد سبق تخريجه (ص ١١٤).