للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفتوى إجماعًا، فيولِّيه السلطان القضاءَ بما ترجَّح له دليله الشرعي بعد اجتهاده، بشرط موافقة أحد المجتهدين المشهورين، وكذلك الفتوى، ويشترط فيها أيضًا أن يُبيِّن للمستفتي أن الفتوى هي بما اقتضاه اجتهاده، ويُبيِّن له مَن وافقه من المجتهدين.

وينبغي للناس أن يَعْمِدوا إلى مَن كان بقربهم من مدّعي الاجتهاد الظاهري العدالة، فيستفتوهم في سائر أمور دينهم، فيفتي العالم سائلَه كما كان عليه العمل في السلف الصالح، بذكرِ الدليل وتفسيره وغير ذلك، ثم يخبره بمن وافق ذلك من الأئمة، فيعمل السائل بتلك الفتوى ويكون بريئًا بيقين، لأنه إن كان العمل بالتقليد غير جائز فهو قد أدّى أقصى ما يمكنه، وهو سؤال العلماء المعاصرين له طبقَ ما كان عليه العملُ في القرون الأولى بمعرفة الدليل ودلالته وعدم المعارض، وليس يمكنه أكثر من هذا إلّا أن يتفرغ لطلب العلم حتى يبلغ رتبة الاجتهاد، وهذا ليس مكلَّفًا به كلُّ أحدٍ بلا خلاف.

وإن كان العمل بالتقليد جائزًا فإما أن يكون متعينًا في هذه الأزمان كما زعم، وإما أن لا يكون متعينًا، فإن لم يكن متعينًا فالأمر واضح، لأنه يكون المرء حينئذٍ (١) مخيَّرًا بين التقليد وبين استفتاء علماء عصره، واستفتاءُ علماء عصره على ما ذكرنا أرجح لما قررناه، وهو مع (٢) ذلك في حكم المقلد للإمام الذي شرطنا موافقة قوله. وإن كان متعينًا فقد شرطنا أن يخبره المفتي بموافقة أحد المجتهدين المشهورين، وحينئذٍ يكون في حكم المقلد لذلك المجتهد، وقد التزم الأدب مع كتاب الله تعالى وسنة رسوله، ومع علماء


(١) اختصرها المؤلف إلى (ح) وكذا ما بعدها.
(٢) هكذا استظهرنا الكلمتين من الأصل.