للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون منتسبًا إلى مذهبٍ من المذاهب المشهورة، فلا يأتيه يستفتيه إلّا العامة الملتزمون لذلك المذهب، وهم إنما يسألونه عن ذلك المذهب المعيَّن، فكيف يجيبهم بغيره؟ ولهذا حكى بعضهم قال (١): كان السيوطي رحمه الله تعالى ربَّما يُرجِّح خلافَ مذهب الشافعي في بعض المسائل اجتهادًا، فإذا جاءه سائل في تلك المسألة أفتاه بمذهب الشافعي، فقيل له في ذلك، فقال: إنما يسألونني عن مذهب الشافعي لا عن الراجح عندي.

إذا تقرر ذلك فقد قال المحققون من علماء التقليد: إذا كان القاضي أو المفتي عدلًا ولم يمنعه السلطان من الحكم بغير مذهب معيَّن، فله تجزئة التقليد في القضاء أيضًا، فيختار من مذاهب الأئمة ما يُرجِّحه الدليل إن كان متأهلًا أو نحو ذلك. وأما المفتي فإن كان مُولًّى، فإذا كان عدلًا ولم يمنعه السلطان من الفتوى بغير مذهب معين فله تجزئة التقليد في الفتوى أيضًا، فيختار ما يرجِّحه الدليل أو تقتضيه المصلحة كالتشديد على القوي المفرِّط والتخفيف على الضعيف المعذور ونحو ذلك. وإن لم يكن مولَّى (٢) فيُشترط في حقه العدالة فقط، كذا قيل. وينبغي أنه يشترط في المفتي أن لا يفتي بغير المذهب المنتسب إليه، إلّا أن يذكر للسائل أن مذهب إمامنا كذا. ولكن مذهب فلانٍ من الأئمة كذا، ويرشده إلى تقليده إن أراد.

هذا على مقتضى تفريع المقلدين، وأما ما ندعو إليه فإننا نقول: إنه ينبغي لأولي الأمر أن لا يُولُّوا القضاء أو الفتوى إلّا مَن كان عدلًا عالمًا بالكتاب والسنة وأقوال الأئمة، وهو الذي ندَّعي له الاجتهاد، وهو المستحق للقضاء


(١) انظر "الميزان" للشعراني (١/ ١٦).
(٢) بعده في الأصل: "فإن كان".