للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إطلاقَ الشريعة ذلك الحكم. مثاله: الماء المستعمل، قال أبو ثور وداود وأصحابه: إنه طاهر مطهِّر غير مكروهٍ استعمالُه، وقال مالك وأصحابه: طاهر مطهِّر مكروهٌ استعمالُه، وقال الشافعي: طاهر غير مطهِّر، وقال أبو يوسف: إنه نجس. كذا في "بداية المجتهد" (١). فالشعراني رحمه الله يقول (٢):

الأول مخفف، وهو محمول على أن يكون المستعمل نبيًّا أو وليًّا، فيبقى الماء على أصله، لا يتقاطر فيه شيء من الذنوب.

والثاني أشدُّ منه قليلًا، وهو محمولٌ على ما إذا كان المستعمل مستورًا ومريدُ التطهير غير مُكَاشَف، فهو شاكٌّ هل تقاطَرَ فيه شيء من الخطايا أو لا؟ ولما كان الظاهر التقاطر كُرِه له التطهُّر به، وكذا إذا كان مكاشفًا، ووجد أن الماء لم يتقاطر فيه إلّا شيء من المكروهات ونحوها.

والثالث أشدّ، وهو محمول على ما إذا كان المستعملُ مسرِفًا على نفسه ومريد التطهير غير مكاشف، فإنه حينئذ يتأكَّد عنده أنه تقاطر في الإناء شيء من المعاصي، ولكنه لما لم يكن مشاهدًا لها لم يُحكَم في حقه بنجاسة الماء، غير أنه غير مطهِّر. وكذا إذا كان مريد التطهير مكاشفًا، وشاهد الماء، فإذا هو لم يتقاطر فيه إلّا شيء من الصغائر.

والرابع أشدُّ من الجميع، وهو خاصٌّ بما إذا كان مريد التطهير مكاشفًا، وشاهد الماء قد تقاطر فيه شيء من الكبائر.

هذا قضية كلام الشعراني رحمه الله أو نحوه، وحاصل ما ذكر أن الحكم


(١) (١/ ٣٠).
(٢) انظر "الميزان الكبرى" (١/ ١٠٨).