الشرعي في الماء المستعمل أنه يختلف باختلاف الأحوال، ففي الحال الأول طاهر ومطهِّر غير مكروه، وفي الثاني مكروه، وفي الثالث غير طهور، وفي الرابع نجس. وحينئذ فأبو ثور وداود وأصحابه وإن أصابوا في قولهم بالنسبة إلى ما حمل عليه قولهم، فإنهم أخطأوا في إطلاق ذلك وتعميمه، وذلك أنهم رأوا بعض الأدلة تدل على أن شيئًا من المستعمل طاهر طهور غير مكروه، فقالوا به وعمَّموه في جميع الأحوال، والحال أنه واقع فيما إذا كان المستعمل نبيًا أو وليًّا فقط. وعلى هذا فقِسْ.
والحاصل أن قضية ميزانه أنهم جميعهم على خطأ، لم يصيبوا الحكم الشرعي، وإن أخذ كلٌّ منهم بطرفٍ منه. وهكذا عمَّم ميزانه في جميع مسائل الخلاف، فإذا جميع أئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المجتهدين الأربعة وغيرهم كلهم عنده كما ترى مخطئون.
وهذا ضدُّ ما قاله قوم: إن كل مجتهد مصيب، وإن الحق متعدد. وكلاهما باطل، وقوله رحمه الله: أظهر بطلانًا لاقتضائه إجماعَ الأئمة على الخطأ في جميع مسائل الخلاف ما عداه.
فإن قيل: إنه أراد بميزانه دفعَ ما يُوهمه الاختلاف من تناقض الأدلة الشرعية.
فالجواب: أن هذا مندفعٌ بما هو معلوم أن المجتهدين غيرُ معصومين عن الخطأ في الاجتهاد، فقد يجهل أحدهم الدليل، وقد ينساه، وقد يَعزُب عنه، وقد تَعزُب عنه دلالته، إلى غير ذلك. فلا جَرمَ كانوا معرَّضين للخطأ، وهذا يقتضي أن يكونوا في المسائل الخلافية على قسمين: مصيب فحسبُ،