عرفه لما كان هناك ما يحمله على تشديد النكير على هذا القول، كما تراه في مقدمة "صحيحه".
وأوضح من ذلك: أننا نجد في كتب البخاري، كالتاريخ الكبير وغيره، أنه يحكم بعدم الصحة، ثم يُعلِّلها بعدم العلم باللقاء.
والمقصود أن ذهاب ابن المديني والبخاري هذا المذهب يدل أن عندهما أن رواية الراوي عن الشيخ بدون تصريح بالسماع لا يكون ظاهرها السماع إلا إذا كان قد تحقق اللقاء.
وأما مسلم ومن وافقه فإنهم وإن لم يشترطوا تحقُّقَ اللقاء فقد اشترطوا تحقُّقَ المعاصرة وإمكانَ اللقاء إمكانًا بينًا كما علمت، فكان من لازم قولهم أن رواية الرجل عن شيخٍ بدون تصريحٍ بالسماع، إنما يكون ظاهرها السماع بذينك الشرطين.
وإذ لم يكن هناك مذهبٌ ثالثٌ، فهذا إجماعٌ منهم على أنه عند عدم تحقق الشرطين المذكورينِ لا يُحَمل على السماع، ولزِمَ من ذلك إجماعهم على أنه حينئذٍ لا يكون ظاهرُ الرواية السماعَ.
وسرُّ المسألة: أن يُنظَر في الظهور المذكور من أين جاء؟ أمن وضع اللغة أم من العرف أم من العقل؟
فأقول: أما اللغة فلا شأنَ لها بهذا، فإن قول الرجل:"قال أو حدَّث أو ذكر أو نحو ذلك فلانٌ" حقيقة، سواء أكان سمعه منه أم لم يسمعه.
وأما العرف؛ فالعرف العام لا يتحقق، وما يتراءى منه مصدره العقل، كما يأتي.