للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا جعلهم تلك البنات هي الملائكة فلأنَّه لم يبلغهم عن المِلَل السماوية أنَّ هناك أحياء غائبين غير الله عزَّ وجلَّ، إلَّا الملائكة والجن، والجنُّ مُبْعَدون مذمومون، فلم يبق عندهم إلَّا الملائكة، فقالوا: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.

ومع هذا فالذي يظهر أنَّهم لمَّا أطلقوا هذه الكلمة "بنات الله" أرسلوها مجملة، بل لعلَّ أوائلهم إنَّما أطلقوها تجوُّزًا، بمعنى: المختارات عند الله، غير أنّه لمَّا طال العهد صاروا يرون لها صلة أقرب من الاختيار، وإن لم يحدِّدوها، يدلُّك على ذلك قول الله عزَّ وجلّ في الردّ عليهم: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: ١٠١].

ومثل هذه الحُجَّة إنَّما تُلْقَى إلى من يعترف أنَّه لم تكن له صاحبة.

ويؤيّده ما رُوِي أنَّ أبا بكر لمَّا أسلم جاء طلحة وجماعة يخاصمونه، فقال أبو بكر: إلام تدعوني؟ قال: أدعوك إلى عبادة اللَّات والعُزَّى، وزعم أنهنّ بنات الله، فقال أبو بكر: فمن أُمُّهم؟ فسكت طلحة. فقال طلحة لأصحابه: أجيبوا الرجل، فسكت القوم؛ فأسلم طلحة (١).

وسيأتي أنَّ الأصل في اللَّات والعُزَّى ومناة عندهم أنَّها أسماء للملائكة، ثم سمّوا بها تماثيلهم، التي هي الأصنام.

فأمَّا ما يُحكى عنهم أنَّهم كانوا يقولون: أمَّهات الملائكة بنات سروات الجن (٢) = فلم يثبت.


(١) راجع: "أسباب النزول" للسيوطي في الآية (٣٦) من سورة الزخرف. [المؤلف].

ذكره عن ابن أبي حاتم، وهو في "تفسيره" (١٠/ ٣٢٨٣).
(٢) أخرجه البخاري معلَّقًا في "صحيحه"، كتاب بدء الوحي، باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم، وفي كتاب التفسير، باب سورة الصافات، عن مجاهد رحمه الله من قوله. ووصله الحافظ ابن حجر في "التغليق" (٣/ ٥١٤) و (٤/ ٢٩٢). وأخرجه البيهقي في "الشعب" (١/ ٦٦) وآدم بن أبي إياس وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" للسيوطي (١٢/ ٤٨٤) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.