للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصلح للحجة في ذلك، فكان العلماء يرون أن حفظ أشعار المتقدمين والترغيب في حفظها وروايتها، وإن كان فيها ما هو رديء من الفروض المتعينة لحفظ اللغة والدين، بخلاف أشعار المولَّدين، يدلك على هذا أنّ العلماء قد كانوا يعيبون كثيرًا من أشعار المتقدمين، كما تراه في "الموشّح" للمرزباني وغيره.

وقد كانوا يستجيدون كثيرًا من أشعار المولّدين، فقد أنشد الأصمعي بيتين لإسحاق الموصلي وهما:

إذا كانت الأحرار أصلي ومَنْصبي ... ودافع ضيمي خازمٌ وابنُ خازم

عطستُ بأنفٍ شامخٍ وتناولت ... يداي الثريا قاعدًا غير قائم

"فجعل الأصمعي يعجب منهما ويستحسنهما، وكان بعد ذلك يذكرهما ويفضلهما" (١).

وأنشد رجل ابن الأعرابي شعرًا لأبي نواس فسكت ابن الأعرابي، فقال له الرجل: أما هذا من أحسن الشعر؟ قال بلى، ولكن القديم أحب إليّ (٢).

وليس مقصود ابن قتيبة من كلامه في مقدمة "عيون الأخبار" و"الشعر والشعراء" المفاضلة بين المتقدمين والمتأخرين، ولا إثبات استواء الفريقين على الإطلاق، وإنّما مقصوده أنه يوجد في أشعار كل من الفريقين ما هو جيد وما هو رديء، فيجب في الحكم على الشعر بالجودة أو الرداءة أن ينظر إليه بحسب ما هو عليه.


(١) الأغاني: ٥/ ٥٣. [المؤلف].
(٢) الموشّح ص ٢٤٦ [المؤلف].