للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك. وكان أهل العلم مختلفين في ذلك، فمَنْ كان يرى الخروج يراه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بالحق، ومن كان يكرهه يرى أنه شقٌّ لعصا المسلمين، وتفريق لكلمتهم، وتشتيت لجماعتهم، وتمزيق لوحدتهم، وشغلٌ لهم بقتل بعضهم بعضًا؛ فتَهِنُ قوتُهم وتقوى شوكةُ عدوهم، وتتعطل ثغورهم فيستولي عليها [١/ ٩٤] الكفار ويقتلون من فيها من المسلمين ويُذِلُّونهم، وقد يستحكم التنازع بين المسلمين فتكون نتيجته الفشل المخزي لهم جميعًا.

وقد جرَّب المسلمون الخروج، فلم يروا منه إلا الشرَّ. خرج الناس على عثمان يرون أنهم إنما يريدون الحق، ثم خرج أهل الجمل يرى رؤساؤهم ومعظّمهم (١) أنهم إنما يطلبون الحق، فكانت ثمرة ذلك بعد اللَّتيا والتي أن انقطعت خلافة النبوة وتأسست دولة بني أمية. ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه، فكانت تلك المأساة، ثم خرج أهل المدينة فكانت وقعة الحَرّة، ثم خرج القُرّاء مع ابن الأشعث فماذا كان؟ ثم كانت قضية زيد بن عليّ، وعرض عليه الروافض أن ينصروه على أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، فأبى، فخذلوه، فكان ما كان. ثم خرجوا مع بني العباس فنشأت دولتهم التي رأى أبو حنيفة الخروجَ عليها. واحتشد الروافض مع إبراهيم الذي رأى أبو حنيفة الخروج معه، ولو كُتب له النصر لاستولى الروافض على دولته، فيعود أبو حنيفة يفتي بوجوب الخروج عليهم!

هذا، والنصوص التي يحتجُّ بها المانعون من الخروج والمجيزون له


(١) كذا في (ط) وربما كانت: «ومعظّموهم».