للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يرد عليهم من جاءه من النساء [ص ٨٢] في الهدنة، وأن ذلك قد يُعدُّ غدرًا= لذكر ذلك لهرقل.

فإن قيل: فقد تكون قصته مع هرقل قبل أن تهاجر بعض النساء، فيمنعها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.

قلت: فكان ينبغي عند حصول المنع أن يُكثِر المشركون من التشنيع بأنه غدر، وكان الغدر عندهم من أشنع الأمور، وقد سمعوا هرقل في محاورته لأبي سفيان يقول له: «وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر». ولا ريب أن النساء لو كن داخلاتٍ في المعاهدة، لكان الامتناع من إرجاعهن غدرًا.

ولا يدفع ذلك ما زعمه بعضهم من أن القرآن خصص المعاهدة بعد عمومها، أو نسخها فيما يتعلق بالنساء، فإن المشركين لم يكونوا معترفين بالقرآن، ولا ملتزمين لأحكامه، ولو قيل لهم ذلك لقالوا: إن محمدًا يغدر، وينسب الغدر إلى الله عز وجل، ثم يقولون: لا نثق بعهد محمد بعدها، فإنه يعاهد ثم يغدر، ويقول: إن الله خص ذلك أو نسخه.

فالصواب ما قدمنا أن النساء لم يدخلن في المعاهدة رأسًا. فإن فرضنا أنهن دخلن، فلا بد أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فاوض المشركين بعد ذلك في إخراج النساء، على الشرائط التي ذكرها الله عز وجل في سورة «الممتحنة»، فرضي المشركون بذلك، فكان ذلك نسخًا برضا الجانبين. ولا ريب أنه لا يسمى غدرًا، ولا رائحة للغدر فيه، وقد جاءت آثار تشير إلى هذا. راجع «تفسير ابن جرير» (٢٨/ ٤١ - ٤٧) (١).


(١) (٢٢/ ٥٧٨ وما بعدها) ط. التركي.