يُكتفى بالاحتمال أو الظهور الضعيف، فلو قصدوا دخول الإناث في الشرط لكان الظاهر أن يصرحوا بذلك، كما صرح القرآن في الآيات المتقدمة بقوله:{مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}.
فإن قيل: فلماذا طالب المشركون بعد ذلك بردّ النساء، فأنزل الله تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}[الممتحنة: ١٠]؟
قلت: لما لم تكن المعاهدة صريحة في خروجهن طمعوا في زعم دخولهن، وأكمل الله عز وجل للمسلمين ما فيه المبالغة في الوفاء، فأمرهم أن لا يمسكوا بعِصَمِ الكوافر، ولم يطالبوا قريشًا برد من عسى أن ترتدّ من المسلمات فتلحق بالمشركين، وبذلك فرغت للمشركين عدة من المشركات اللاتي كن في عِصَم المسلمين.
ثم أمر الله تعالى المسلمين أن يعوِّضوا الكفار عن أزواجهم اللاتي يهاجرن بأن يدفعوا لأزواجهن من المشركين ما كانوا أنفقوا في زواجهن، فرضي المشركون وطابت نفوسهم.
وفي تلك المدة سافر أبو سفيان بن حرب إلى الشام، فدعا به هرقل، وسأله عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن جملة ما قال له هرقل (١): «فهل يغدر؟ قال أبو سفيان: قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها». ثم قال أبو سفيان بعد إسلامه وإخباره بالقصة:«ولم يُمكنِّي كلمة أُدخِل فيها شيئًا غير هذه الكلمة». وقال أبو سفيان:«لولا الحياء من أن يَأثِروا عليّ كذبًا لكذبت». وكان يومئذٍ من أشد المشركين عداوةً للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلو علم أن
(١) أخرجه البخاري (٧) من حديث ابن عباس عن أبي سفيان ضمن القصة.