فإذا بنينا على الأول؛ فمعاهدة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للمشركين باللفظ المتقدم لم تدخل فيها النساء، ويؤكد ذلك ما يأتي.
وإن بنينا على الثاني؛ فهناك قرينتان تدلان على خروجهن:
الأولى: أن الذي كان يهم قريشًا إنما هو أمر الرجال؛ لأن لحوق الرجال بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ينقص عدد المشركين، ويُكثِر عدد المسلمين، فيكون ذلك من أسباب استعلاء المسلمين على المشركين في القوة بكثرة العدد. وقد شاهدوا رغبة كثير منهم في الإسلام، فخافوا أنه في مدة الهدنة يلحق كثيرون منهم بالمسلمين، فلا تنقضي الهدنة أو تُنْقَض إلا والمسلمون كثير، والمشركون قليل.
فأما النساء فلا شأن لهن في القتال، والغالب فيمن يظن بها اللحاق بالمسلمين بعد الهدنة هي من كان زوجها قد أسلم قبل ذلك، وهؤلاء قد كان المشركون أنفسهم قبل الهدنة يخلُّون سبيلهن إذا أرادت إحداهن [ص ٨١] أن تلحق بزوجها، ولم يكن هناك دخل كبير للغَيرة، لأن من كانت تسلم من نساء المشركين وتهاجر إلى المسلمين كان المسلمون يكرمونها ويغارون عليها أشدَّ من غَيرة أقاربها المشركين ديانةً وعصبيةً، وتجد في المسلمين جماعة من عصبتها.
وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بلغ أبا سفيان، فقال: هو الفحل لا يُقدَع أنفه (١).
القرينة الثانية: أن من شأن المعاهدات المكتوبة أن يُحتاط فيها، ولا