الله الإيمان لا محالة. ولهؤلاء درجات بحسب درجاتهم في المحبة والرغبة والإيثار، فمنهم من تقوى هذه الأمور عنده وتصفو، فيصفو له اليقين بالفطرة وأدنى نظر. ومنهم من يكون دون ذلك، فيحتاج إلى زيادة.
وعلى كل حال، فإن المأخذَين السلفيَّين شافيان كافيان مُغنيان في تحصيل الحق من هذا المطلب ضرورةَ أن الله عز وجل بعث رسله وأنزل كتبه في أقوام لا خبر عندهم لغير المأخذين السلفيين ولا أثر، واكتفى بهما وبنى عليهما.
ولا يقف الأمر عند الاستغناء عن المأخذين الخلفيين، بل إن مِنْ شأنهما أن يمانعا حصول الإيمان ويزلزلاه لأسباب:
الأول: أن المشتغل بهما يغفُل عن المأخذين السلفيين.
الثاني: أنه يتعرض لشبهات تعتاص عليه، فيسوء ظنه بالمأخذين السلفيين.
الثالث ــ وهو أعظم الأسباب ــ: حرمان التوفيق، فإن طالب الحق في غير المأخذين السلفيين إما أن يكون فاقدًا لصدق المحبة والرغبة والإيثار للحق، وإما أن يكون كان عنده شيء من ذلك ولكنه ضعف بإعراضه عن سبيل الله عز وجل. فقد يبلغ به الضعف إلى أن يزول أثره البتة. وقد يبقى أثره في الجملة، فيبقى العبد مترددًا. وربما يتداركه الله عز وجل في آخر الأمر، فيرجع إلى المأخذين السلفيين، وإن كان لا يصفو له ذلك كما يصفو لمن ثبت عليهما من أول أمره. ولذلك كان إمام الحرمين يتمنى في آخر أمره أن يموت على دين عجائز نيسابور، كما تقدم في الباب الأول.