للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد سمعتَ ما ذكره صاحب "القلائد" عن شيخه إمام الوجود، قد بَخِلَ إمام الوجود أن يُقرِض ذلك المحتاج قرضًا حسنًا، ويستوثق منه برهن أرضه رهنًا شرعيًّا، بل أخذها بالعهدة؛ ليفوز إمام الوجود بغلَّتها، ولم يكتفِ بذلك حتى شرط على الراهن أن لا يَفُكَّ الأرض حتى يحوزَ إمام الوجود غلَّتَها، لا أدري سنةً أو أكثر!

فقل لي بربك، إذا كان هذا حال إمام الوجود، فكيف يرغب العامة الذين علموا هذا منه أن يعملوا خيرًا من عمله؟

فأما السبب الأول: فهو تقصيرٌ من المستقرضين يستطيعون تركه، وإذا اعتاد الرجل صفة قبيحة مذمومة شرعًا وعقلًا، فأثمرت له ضررًا ما، فليس من المشروع ولا المعقول أن تُبدَّل الشريعة وتُغيَّر لدفع الضرر عن هذا الرجل، فيحمله ذلك على الاستمرار على تلك العادة، ويحمل غيره على اعتيادها أيضًا.

بل المشروع والمعقول أن العلماء إذا لم يبالغوا في التشديد عليه، فلا أقلَّ من أن يُقِرُّوا الشريعة على ما وردت، ويقولوا لهذا الرجل: أنت جلبتَ الضرر على نفسك بما اعتدته من تلك العادة الخبيثة.

ومن المُشاهَد المعروف في كل بلاد: أن الرجل إذا عُرِف بالأمانة، وأداء ديون الناس، والحرص على ذلك، لم يكد يستقرض قرضًا حسنًا إلا ناله، وفي المثل العامي: "من أخذ وأدَّى شارك الناسَ في أموالهم".

وأما الأسباب الأخرى: فهي كلها تقصير من العلماء وغيرهم، يستطيع العلماء السعي في إزالتها، فليس من المشروع ولا المعقول أن يُقِرُّوها على ما هي عليه، ويَدَعُوها تنمو وتفحش، ثم يَعْمِدوا إلى الشريعة فيبدِّلوها