فلما فُتِح لهم باب الربا وجدوا طريقًا ثالثًا هو أنفع لهم في دنياهم من الإقراض الشرعي.
[ص ٢٩] الثالث: أن المسلمين فتحت لهم أبواب كثيرة للإنفاق، وأكثرها مما شرعه المنسوبون إلى العلم والصلاح، وأفهموا العامة بأنه من الدين والإيمان، ولم يزالوا يُربُّون ذلك في أذهان العامة حتى رسخ في أذهانهم أنه أهم من أركان الإسلام، وذلك كالموالد والحضرات وزيارات الأولياء وأحوالهم، وعمارة قبورهم، والنذور لها، والولائم التي يقيمها أهل الميت ثالثَ موتِه، ولتمام الأربعين، وبعضهم يكررها كل عام، والإنفاق على من ينتسب إلى الصلاح والتصوف، وإن كان قويًّا قادرًا على الاكتساب، ومُسرِفًا مبذِّرًا، يجمع حوله جماعةً من البطَّالين، ويعيشون معه عِيْشَةَ المترفهين، ونفقتهم على العمَّال الضعفاء.
ولو أنك أحصيتَ نفقةَ المسلم المتوسط في الهند لعشر سنوات مثلًا، لوجدتَ نصفَها أو أكثرَ صُرِفَتْ في هذه المصارف.
ويضاف إلى هذا تبذير المسلمين في غير هذه الأمور، كولائم النكاح، والتوسع في المأكل والملبس فوق الحاجة، وغير ذلك.
فأصبح الطبقة الوسطى من المسلمين إذا استقرض أحدهم لا يكاد يستطيع الوفاء؛ لأن ما اكتسبه يَصرِفه في هذه (الفرائض المحتمة)، والأغنياء يعرفون ذلك، فيمتنعون من إقراض هؤلاء.
الرابع: أن أولئك العلماء الذين أجازوا بيع العهدة هم أنفسهم يبخلون بأموالهم أن يُقرِضوها بغير نفع مادي، فإذا رآهم العامة قالوا: نحن أولى بذلك منهم.