للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما البيان الأول فيحصل بالعقل، ويحصل بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] وقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} السورة، فقد بيَّن العقلُ وهاتان الآيتان وغيرهما بطلانَ ظواهر تلك النصوص التي نتأولها، فوجب أن يكون المرادَ بها معانٍ أخرى صحيحة. فأما الزائغون فاتبعوا تلك الظواهر، وهم فريقان:

الأول: الملحدون القائلون: هذه الأمور باطلة قطعًا، فالشرع الذي جاء بها باطل.

الفريق الثاني: الذين يجهلون أو يتجاهلون بطلانَها، فيدينون بإثباتها.

والسلف وأئمتنا أبرياء من الفريقين، غير أن السلف كانوا مع العلم ببطلان تلك الظواهر يمتنعون من الخوض في البيان الثاني، وأئمتنا اصطدموا بالزائغين الزاعمين أن تلك الظواهر هي المعاني المرادة من تلك النصوص، ويبالغون فيدَّعون أن تلك النصوص صريحة في تلك المعاني لا تحتمل التأويل. فاحتاج أئمتنا إلى بيان الاحتمال، فمن لم يجزم منهم بمعنى معيَّن فلم يأتِ (١) بما يُنكَر عليه. ومن جزم بذلك فقد ينكر عليه من يذهب إلى أن الراسخين لا يعلمون ذلك، أي أنهم وإن علموا بطلان الظاهر، وأن المراد غيره، فلا يعلمون التأويل وهو المعنى المراد؛ لاحتمال النص عدةَ معان. لكن قد يقال: إذا كان المعنى الذي جزم به ذلك الجازمُ صحيحًا في نفسه فالخطب يسهل (٢)، [٢/ ٣٤١] وذلك كالقائل: إن المراد باليدين في قوله


(١) كذا في (ط): «فلم يأت» بإثبات الفاء، والأولى حذفها.
(٢) (ط): «تسهل».