وأما إذا لم يكن في البلد حكومةٌ قائمة بالحق، فأهلها كلهم مقصِّرون، ومن دخل عليه ضرر بسبب تقصيره ينبغي أن لا يُجعل له مخرجٌ منه، بل يُشدَّد عليه حملًا له على الرجوع عن التقصير والقيام بالواجب. والله أعلم.
وعلى هذا القياس يكون الكلام في الغصب، إلا أن هناك مسائل يختلف فيها العلماء، منها: أن يتَّجر الغاصب بالمغصوب فيربح، فمذهب بعض العلماء ــ كالإمام أحمد ــ أن الربح لصاحب المال لا للغاصب، ومذهب بعضهم ــ كالإمام أبي حنيفة ــ أنه للغاصب، ولكن لا يحل له، بل يجب عليه التصدق به.
وهناك أقوال أُخر، لسنا بصدد استيفائها، ولا الترجيح بينها، وإنما يلزمنا ههنا الفرق بين الغصب والدين، فنقول: الفرق عندهم أن الغاصب في هذه المسألة اتجر بعين المال المغصوبة، وربح فيها، وأما المدين فالدين في ذمته، وليس هو عينًا معينة، ومع ذلك فيقولون جميعًا: إذا لم يتجر في العين المغصوبة لا يلزم ربح، وإنما يقول بعضهم ــ كالشافعي ــ بوجوب الأجرة على غاصب الدار والدابة ونحوها، وإن لم يستعملها؛ لأن النقص الذي دخل على المالك بالغصب يمكن ضبطه بأجرة المثل، فليس كالربح الذي لا ينضبط كما مر. والله أعلم.