كأنَّ أبا أحمد رحمه الله سمعهم يقرؤون بعض التراجم القصيرة التي لم يتفق لابن أبي حاتم فيها ذِكْر الجرح والتعديل ولا زيادة مهمة على ما في "التاريخ"، فاكتفى بتلك النظرة السطحية، ولو تصفّح الكتاب لما قال ما قال. لا ريب أنّ ابن أبي حاتم حذا في الغالب حذو البخاري في الترتيب وسياق كثير من التراجم وغير ذلك، لكن هذا لا يغضّ من تلك المزية العُظْمى، وهي التصريح بنصوص الجرح والتعديل، ومعها زيادة تراجم كثيرة، وزيادات فوائد في كثير من التراجم، بل في أكثرها، وتدارك أوهام وقعت للبخاري وغير ذلك.
وأما جواب ابن عبدويه الورَّاق فعلى قدر نفسه لا على قدر ذينك الإمامين أبي زُرعة وأبي حاتم! والتحقيقُ أنّ الباعث لهما على إقعاد عبد الرحمن وأمرهما إياه بما أمراه، إنّما هو الحرص على تسديد ذاك النقص، وتكميل ذاك العلم، ولا أدلّ على ذلك من اسم الكتاب نفسه، كتاب "الجرح والتعديل".
حرص ابن أبي حاتم بإرشاد ذينك الإمامين، على استيعاب نصوص أئمة الفنّ في الحكم على الرواة بتعديل أو جرح، وقد حصل في يده ابتداء نصوص ثلاثة من الأئمة، وهم أبو هـ وأبو زرعة والبخاري، أمّا أبوه وأبو زرعة فكان يسائلهما في غالب التراجم التي أثبتها في كتابه ويكتب جوابهما، وأمّا نصوص البخاري فإنّه استغنى عنها بموافقة أبيه للبخاري في غالب تلك الأحكام. ومعنى ذلك أنّ أبا حاتم كان يقف على ما حكم به البخاري فيراه صوابًا في الغالب فيوافقه عليه، فينقل عبد الرحمن كلام أبيه. وكان محمد بن يحيى الذُّهلي قد كتب إليهم فيما جرى للبخاري في مسألة القرآن