للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكمًا يحتاج فيه إلى عدالة الممدوح، وليس هناك حاجة لبيان نصاب التعديل.

نعم الأشبه بدقة نظر البخاري ــ رحمه الله تعالى ــ ولُطْف استنباطه، أنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمادح: "قطعتَ عنقَ صاحبِك" ثناءً على الممدوح؛ فإنّ قَطْع العنق كناية عن الإهلاك، والمعنى كما قال الغزالي: "إنّ الآفة على الممدوح أنّه لا يأمن أن يُحْدِث فيه المدح كِبرًا أو إعجابًا، أو يتّكِل على ما شهره به المادح، فيفتر عن العمل؛ لأنّ الذي يستمرّ على العمل غالبًا هو الذي يعدّ نفسَه مقصّرًا" ذكره في "الفتح" (١).

فكأنّ البخاري ــ رحمه الله ــ فهم أنّ المدح إنّما يقطع عنق من له عنق، والكافر والفاسق مقطوعة أعناقهما، ففي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "قطعت عنق صاحبك" دلالة على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بأنّ للممدوح عنقًا، يخشى أن يقطعها المادحُ بمدحِه، والعنق هي العدالة، فقد تضمّن ذلك القضاء بأنّ الممدوح عدل. وهذا ــ على لُطْفه ــ لا يكفي للحجة، وفيه بَعْد ذلك أنّه ليس في الحديث أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعرف الممدوح، حتّى يُقال: [ص ٥٨] إنّه إنّما أثبت له سلامة العنق بثناء ذاك المادح.

وأمّا المسلك الثاني: فالأقرب أنّ تزكية الشاهد شهادة، وأما تزكية المخبر فإن كانت ممّن جاوره وصَحِبه مدّة فظاهرٌ أنّها خبر، وإن كانت ممّن تأخّر عنه كتعديل الإمام أحمد لبعض التابعين فقد يُقال إنها حكم؛ لأنّ أئمة هذا الفن في معنى المنصوبين من الشارع أو من جماعة الأئمة (٢)، لبيان


(١) (١٠/ ٤٧٨)، وهو في "الإحياء": (٣/ ١٧٠).
(٢) تحتمل: "الأمة".