للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أُجيب عن هذا بأنه مذهبٌ لعمر، مع أنّ أبا جميلة إما صحابي، وإما من كبار التابعين، فلا يلزم من الاكتفاء في تعديله بواحد أن يُكْتَفى بذلك فيمن بعد ذلك.

وهذا الجواب ضعيف، والظاهر أنّ هذا مذهب عمر، فإن لم يكن في النصوص ما يخالفه، ولا نُقِل عن الصحابة ما يخالفه صحّ التمسُّكُ به.

ثم ذكر البخاري (١) في الباب حديث أبي بكرة: أثنى رجلٌ على رجل عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "ويلك قطعت عنقَ صاحبِك، قطعتَ عنقَ صاحبِك" مرارًا، ثم قال: "من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلانًا، والله حسيبه ولا أزكِّي على الله أحدًا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه".

قال ابن حجر في "الفتح" (٢): "ووجه احتجاجه بحديث أبي بكرة: أنّه صلى الله عليه وآله وسلم اعتبر تزكية الرجل إذا اقتصد؛ لأنه لم يعب عليه إلا الإسراف والتغالي في المدح. واعترضه ابنُ المنيِّر بأنّ هذا القدر كافٍ في قبول تزكيته، وأمّا اعتبار النصاب فمسكوت عنه. وجوابه: أنّ البخاريَّ جرى على قاعدته بأنّ النصاب [ص ٥٧] لو كان شرطًا لذُكِر؛ إذ لا يُؤخَّر البيانُ عن وقت الحاجة".

أقول: لا يخفى حال هذا الجواب، فإنه ليس في الحديث أنّ الممدوح شهد أو أخبر، ولا أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بنى على مدح المادح


(١) (٢٦٦٢).
(٢) (٥/ ٢٧٦).