للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآله وسلم أسامة عن عائشة، فأخبر أنه لا يعلم إلا خيرًا، وكذلك سأل بريرة، وسأل أيضًا زينب بنت جحش وكلتاهما أثنت خيرًا، وبنى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك قوله على المنبر: "من يعذرني مِن رجلٍ قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما عَلِمتُ على أهلي إلا خيرًا" (١).

وفي الاحتجاج بهذا نظر؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان هو نفسه خبيرًا بعائشة، وإنما استظهر بسؤال غيره؛ لئلا يقول المنافقون: إنَّه لحبِّه إيّاها ... (والعياذ بالله).

وهذا ــ والله أعلم ــ من الحكمة في تأخير الله عز وجل إنزال براءتها.

وقال البخاري في "الصحيح" (٢): " (باب إذا زكى رجلٌ رجلًا كفاه)، وقال أبو جميلة: وجدت منبوذًا فلما رآني عمر قال: عسى الغُوَير أبؤسًا، كأنّه يتهمني. [ص ٥٦] قال عريفي: إنه رجل صالح، قال: كذاك، اذهب وعلينا نفقته".

وهذا الأثر أخرجه مالك في "الموطأ" (٣)، وفيه بعد قوله "كذاك" قال: نعم. فقال عمر: اذهب فهو حُرّ ولك ولاؤه، وعلينا نفقته.

والحجة فيه: أن عمر قَبِل تعديل العريف وحده، وبنى على ذلك تصديق أبي جميلة في أنّ ذلك الطفل كان منبوذًا، وأقرّه في يده، ولا يقرّ اللقيط إلا في يد عدل، وحكم له بولائه، وأنفق عليه من بيت المال.


(١) أخرجه البخاري (٢٦٦١)، ومسلم (٢٧٧) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) كتاب الشهادات، باب ١٦ قبل حديث (٢٦٦٢). معلقًا، ووصله البيهقي: (٦/ ٢٠١). وانظر "فتح الباري": (٥/ ٢٧٥).
(٣) (٢١٥٥).