للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى نصف النهار، فقيل له: أيشٍ خبرك؟ قال: رأيت اليوم مبتدعًا فأنا أغسل وجهي منذ رأيته إلى الساعة، وأنا أظنه لا ينقَى»!

أقول: وأنا ما أدري لماذا تكلَّف الأستاذ التأويل المُسْتَكْره؟ فإنه لا يخفى أن الأسود لم ينكر المذاكرة من حيث هي، ولو كان كذلك لأنكرها عليهم عند شروعهم فيها، ولما كان لذِكْر أبي حنيفة وجه، ولما حكى أبو عبيد الإمام في كلِّ فنٍّ القصةَ على ما حكاها.

فأما قصة غسل الوجه، فالذي في «التاريخ»: حَبَش بن الورد، وكأنه حبش بن أبي الورد المترجَم في «التاريخ» (١) أيضًا باسم محمد بن الورد، ولقبه حَبَش، وهو من المذكورين بالعبادة والزهد يروي الحكايات، ولم يوثَّق.

والأستاذ يعدُّ قول الراوي: «قيل لفلان»، أو «سئل فلان» منقطعًا، للجهل بالقائل أو السائل، وقد رددتُ عليه ذلك في القواعد وغيرها (٢). وقولُ حَبَش: «رئي أسود» ظاهرٌ في الانقطاع، بخلاف «قيل» و «سئل»، فإن الراوي قد يحضر الواقعة ويكون القائل أو السائل غيره دونه، فأما أن يحضرها ويكون الرائي غيره دونه فلا، إلا أن يكون أعمى. فليبحث الأستاذ لعلَّه يجد نصًّا على أن حَبَشًا كان أعمى! فيصير قوله: «رئي أسود» بمنزلة قول غيره: «قيل لفلان»، و «سئل فلان» ونحو ذلك، كقول سلمة: «قال رجل لابن المبارك»! فإن صحَّت القصة، فالظنُّ بالأسود أنه إنما قصد تنفير الناس عن البدع وأهلها!


(١) (٣/ ٣٣٥).
(٢) (ص ١٣٥ وما بعدها).