للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويُمكِن أن يُجاب عنه بأن الوالد وردت الشريعة بتعظيمه، بل ورد شرعُ غيرِنا بالسجود للوالد، كما في قوله تعالى: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: ١٠٠] ... فكان شبهةً دارئةً لكفر فاعله» (١).

أقول: في هذا غفلةٌ؛ فإن الآية ليس فيها السجود للوالد، وإنما هي في سجود إخوة يوسف وأبويه له. نعم؛ يمكن أخذ السجود للوالد منها من باب أولى، وذُكِر في السجود للعالِم أنه ثبت لجنسه في غير شرعنا، وذلك في سجود الملائكة لآدم.

[٤٨٢] فالحقُّ أن إطلاق علماء المذهب أن السجود للأبوين ونحوهما لا يكون ردَّةً محمولٌ على ما إذا سجد لهما غيرَ متديِّنٍ بالسجود ولا زاعمٍ أنه يفيده نفعًا غيبيًّا، بل سجد بجاذبٍ طَبَعِيٍّ أو عاديٍّ أو غرضٍ (٢)، كمَن يسجد لسلطانٍ ليؤمِّره أو يصلَه بمالٍ أو نحو ذلك، فهذا لا مشابهة فيه لسجود المشركين لآلهتهم (٣) كما لا يخفى، فأما مَن سجد لأبويه تديُّنًا يطلب به


(١) الإعلام ص ١٢. [المؤلف]
(٢) صورتها في الأصل يمكن أن تُقرأ بياء نسبةٍ عطفًا على طبعيٍّ وعاديٍّ.
(٣) سبق في تعريف العبادة (ص ٧٣٣ - ٧٣٤) أنه لا يُشترط في السجود للصنم طلب نفعٍ غيبِيٍّ، بل لو سجد له عِنادًا أو طمعًا في نفعٍ دنيويٍّ كمَن يُجْعَلُ له مال عظيم على أن يسجد لصنمٍ، ومثلُه إذا سجد له هزلًا ولعبًا كلُّ ذلك يرتدّ به الشخص، والفقهاء يثبتون الردّة بذلك كما هو نصُّ كلامه. ويظهر أنَّ المؤلِّف لا ينظر إلى ذات السجود بل إلى المسجود له فيفرِّق بين الصنم الذي من شأن عابديه أن يطلبوا بذلك نفعًا غيبيًّا وبين الملِكِ من بني آدم الذي لم تجر العادة بالسجود له طلبًا لنفعٍ غيبِيٍّ، فَشَرَطَ في تكفير الساجد للمِلك أن يطلب بذلك نفعًا غيبيًّا ولم يشترط ذلك في السجود للصنم.