عندي أن لا إيجاد هاهنا بل هو اقتضاء الماهية للوجود، والمقتضي لا يلزم أن يكون موجِدًا. ألا ترى أن الماهيات مقتضية للوازمها وليست فاعلة لها ... كيف والإيجاد الخارجي لابد له من موجود وموجِد في الخارج، وليس في الخارج هاهنا إلا الماهية المقتضية للوجود. واعتبارُ التعدد فيها باعتبار أنها من حيث هي موجِد، ومن حيث الاتصاف بالوجود موجَد، إنما هو في الذهن».
أقول: فمن فهم هذا وقنع به فذاك، وإلا فينبغي أن يدع التعمقَ، ويرجع إلى اليقين، وهو أن الله عز وجل هو الحق الذي لم يزل، وأنه خالق كلِّ شيء، وَلْيَستعِذ بالله وَلْيَنْتَهِ.
وقد سمعتُ بعض الأكابر يذكر عن جدِّ أبيه ــ وهو من المشهورين ــ أنه كان إذا ذُكِر له ما يسمِّيه المتأخرون «علم التوحيد» قال: «إنما هو علم التوحيل».
أقول: وتلك المناقضات والمعارضات والوساوس بحر من الوحل لا ساحل له إلا من جهة [٢/ ٢٨٩] واحدة، فمن جاء من تلك الجهة فخاض في ذاك الوحل لم يزده الإمعانُ فيه إلا تورطًا. فالسعيد من أعانه الله عز وجل على الرجوع إلى الساحل.
والمقصود هنا أن المتفلسفين لما أصَّلوا ذاك الأصل، وهو أن ذات الله تعالى ليست منفصلةً عن العالم ولا متصلةً به، أمعنوا في النفي كما تقدم. فأما المتكلّمون الذين وافقوا على هذا الأصل، فيضطربون في التفريع، يُثبت أحدُهم أمرًا، فيجيء الذي بعده، فيجد أنه مضطَرٌّ إلى نفيه بمقتضى الاعتراف بذاك الأصل، وهكذا.