للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: أن المراد بالذين لا يؤمنون بآيات الله قوم مخصوصون من المشركين، وهم الذين رموا النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بالكذب، كما دل عليه السياق، فقوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي ... } إلخ من باب الحصر الإضافي؛ لأنهم رموا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالكذب فأجاب الله تعالى عليهم بحصر الكذب فيهم، أي بالنسبة إلى رسوله، وهذا من باب حصر القلب، فهُم رموا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالكذب ويزعمون أنهم صادقون، فردَّ الله تعالى عليهم بما يقتضي أن نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - صادق وأنهم هم الكاذبون، وجعل المُظْهَر في مقام المُضْمَر في قوله: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} للتصريح بذمهم، والإشارةِ إلى العلة التي تقتضي افتراءَهم للكذب، فيكون في الكلام إيراد دليل على قلب قولهم.

الثالث: أننا نسلِّم بقاء الآية على ظاهر العموم والإطلاق، ولكن هذا لا يقتضي أن كلَّ من افترى الكذب كافر، وإنما يقتضي أن افتراء الكذب هو من الأخلاق التي عُرِفَ بها الكفار، وهذا كما لو قيل لرجل: سمعنا أنك كنت تتخذ خِمارًا، فيجيب بقوله: إنما يتخذ الخمار النساء، أي أن الخِمار من الألبسة التي عرفت بها النساء، فكيف ألبسه وأنا رجل؟ ! ومُحال أن يقال: إن مَن لبس الخِمار صار امرأة. نعم، هذا القول يدل أن من لبس الخمار صار متشبهًا بالنساء. وكذا يقال في الآية: إن من كذب وهو من المسلمين متشبِّهٌ بالكفار.

والبحث مفتقر إلى تحقيق، وإنما علقتُ هذا هنا تقييدًا حتى أنظر التفاسير إن شاء الله وأشرح ما يظهر لي. والله الموفق (١).


(١) مجموع [٤٦٥٧]. وهذه الفائدة علقها الشيخ مرتين في دفترين مختلفين فسقناهما معًا للفائدة التي تضمنها كل منهما.