إلى اتقاء هذا، وتارة إلى اتقاء ذاك. أي تارة يُقدِم على معصية الله خوفَ أذى الناس، وتارة يكفّ عنها خوف عذاب الله.
فإذا كان هذا هو المعنى، فسياق الآية يقتضي أن من ظهر للمؤمنين أن هذه حالُه كان عندهم على الاحتمال، لا يدرون أمؤمنٌ ضعيف أم منافق؟
فإن قيل: كيف يَحتمِل أنه مؤمن، والمؤمنُ لا يشك أن عذاب الله أشد من أذى الناس، فكيف يستويان عنده؟
قلت: قد يجاب بأن الاستواء إنما هو بمقتضى ظاهر الحال من اتقائه هذا تارة وذاك أخرى، فأما في نفس الأمر فيحتمل أن يكون موقنًا بأن عذاب الله أشد من أذى الناس، ولكنه ضَعُفَ عن تحمُّل الأذى، ورجا عفوَ الله.
وقد قال الله عز وجل:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}[النحل: ١٠٦].
وعلى هذا، فالآية تدل على أن تلك الحال مذمومة لا تنبغي للإنسان، وإن لم تكن قاطعة الدلالة على عدم إيمانه.
ويستثنى من ذلك الإقدامُ على ما لا يترتب على فعله مفسدة من المعاصي عند تحقُّق الإكراه. وذلك كإظهار كلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان.
وقد يقال: إنما المعنى أنه يتّقي أذى الناس كما يتقي المؤمن عذاب الله. وأقول: هذا مع مخالفته للظاهر، يردُّه سياقُ الآية ولا حاجة إليه مع ما مرّ (١).